السلام عليكم، لديَّ تساؤل يا روَّاد المواقع العربية والإسلامية، ويا مَن تَحظَون بثروة بشرية من المستشارين والمشايخ.
هل الخليج الفاصل بين إيران وجزيرة العرب خليجٌ فارسيٌّ أو عربيٌّ؟ ولماذا سُمِّي الخليجُ خليجًا، واستعيض عنه بمفردة "البحر"؟
شُكرًا لكم يا مُتألقون.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أسأل الله أن يهدينا إلى الحق، ويُوحِّد صفوفنا، ويُذهب عنَّا الخلاف والنِّزاع، وبعد:
فقد كثر الحديث عن كون الخليج الواقع بين الجزيرة العربية وإيران عربيًّا أو فارسيًّا، فالبلاد العربية تنسبه إلى نفسها، وتطلق عليه "الخليج العربي"، ولا يقبلون تسميته "الخليج الفارسي"، وإيران تطلق عليه "الخليج الفارسي"، ويرفضون تسميته "الخليج العربي"؛ لكن - في الحقيقة - الحكم على هذا الخليج بأنه عربي أو فارسي يحتاج إلى تريُّث وتدبُّر؛ إذ إن من الصعوبة بمكان اعتباره فارسيًّا، في حين أن المجموعَ العام لطول الساحل على الخليج يبلغ نحو 3300 كم، حصة إيران منها نحو الثلث، كما أن العرب تسكن على ضفتي الخليج، سواء في القسم الغربي: "عمان والإمارات، والبحرين وقطر، والسعودية والكويت والعراق"، أو من الشرق في إقليم عربستان "الأهواز ولنجة".
ويصعبُ - كذلك - الحُكم عليه بأنه عربيٌّ خالص، في حين أن إيران تقع على إحدى ضفَّتيه، وتبلغ حِصَّتُها من المجموع العام لطول الساحل الثُّلثَ.
لكنْ ما أودُّ أن أقولَه: هو أنَّ هذه القضيَّة ما أثارها الفرسُ، ولا العربُ، ولا غيرُهم، في وقت كانت فيه إيران تتكلم اللغة العربيَّة، وتحيا تحت حكم خلافة إسلاميَّة واحدة، يجمع كلَّ مَن يستظل بظلِّها مبدأٌ واحد، وانتماءٌ واحد، ومصلحةٌ واحدة.
على أية حال، فإن لهذه القضية جوانبَ تاريخية وجغرافية، وسياسية واقتصادية، وعِرْقيَّة ودِينيَّة، ليس المَقامُ مَقامَ التحدُّث عن هذه الجوانب كافَّة؛ ولكن لنأخذ الجانب التاريخيَّ لتسمية "الخليج"؛ ليُلقيَ لنا الضَّوء على جذور هذا الخليج ومعيار تسميته: هل كان كلُّ مَن يحلو له اسمٌ يطلق هذا الاسم على الخليج، أو كانت هذه التسمية تخضع لظروف مُعينة ومعيار معين؟
بدايةً، ذكر كثيرٌ من المصادر والمراجع والمواقع تاريخَ الخليج وتسمياته، مثل:
• "موسوعة تاريخ الخليج العربي"، محمود شاكر.
• "الخليج العربي بحر الأساطير"، قدري قلعجي.
• "العرب والملاحة في المحيط الهندي"، (Arab Seafaring in the Indian Ocean in Ancient and Early Medieval Times )، تأليف: جورج فضلو حوراني (George Fadlo Hourani)، وجون كارزويل (John Carswell، ISBN 06910-0032-8)، ترجمة: د. يعقوب بكر.
• "الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة"، تأليف د. سيد نوفل.
• "الخليج الفارسي" (Persian Gulf: An Historical Sketch from the Earliest Times to the Beginning of the Twentieth Century)، سير آرنولد ويلسون en:Arnold Wilson،ISBN 08305-0055-3.
• "معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ"، للشيخ بكر أبي زيد.
• "الخليج العربي"، ترجمة: نجدة هاجر وسعيد الغز.
• "الخليج الفارسي: أغاليط المؤرخين"، لأبي اليسر عابدين.
• "رحلات في الجزيرة العربية وبلدان أخرى في الشرق" (Reisebeschreibung nach Arabien und anderen umliegenden Ländern)، كارستن نيبور.
• "إيران تحتج على شطب اسم الخليج الفارسي من دليل متحف اللوفر"، الوطن الكويتية، إيلاف، 4 ديسمبر 2006م.
كذلك ما جاء في "الموسوعة العربية العالمية"[1]، و"موسوعة المعرفة"، وَ"ويكيبيديا"[2]، وغيرها، وكان مما نصَّت عليه المصادر السابقة ما يأتي:
• هذا الخليج سُمِّي بعدة أسماء، كان أقدم اسم معروف أُطْلقَ عليه هو "بحر أرض الإله"، إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ثُم أصبح اسمه "بحر الشروق الكبير"، حتى الألف الثاني قبل الميلاد، وسمي "بحر بلاد الكلدان"، في الألف الأوَّل قبل الميلاد، ثُمَّ أصبح اسمه "بحر الجنوب"، خلال النصف الثاني من الألف الأوَّل قبل الميلاد.
• سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: "البحر الجنوبي"، أو "البحر السفلي" (lower sea)، ويُقابله البحر العلوي (upper sea)، وهو البحر الأبيض المتوسط، كما أطلق عليه الآشوريون "نارمرتو"؛ أي: "البحر المر" (bitter sea).
• سماه الفرس "بحر فارس"؛ "وأول من أطلق هذه التسمية نيارخوس قائد أسطول الإسكندر الأكبر عام 325 ق.م؛ لأنه سار بحذاء الساحل الفارسي، ولم يدرك أنَّ هناك ساحلاً آخر"[3].
• سماه الرومان: "الخليج العربي"، "وفي القرن الأول الميلادي، أطلق بليني اسم "الخليج العربي" بعد أنْ عرف السَّاحل الغربي"[4].
• سماه العرب: "خليج البصرة"، أو "خليج عمان"، أو "خليج البحرين"، أو "خليج القطيف"؛ لأنَّ هذه المدن كانت تتخذه منطلقًا للسفن، التي تَمْخَرُ عبابه، وتسيطر على مياهه، ويعودُ اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.
ونجد النحويين الأوائل يستعملونها؛ مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 170هـ)، كما استعملها الجغرافيُّون مثل ياقوت الحموي، والمؤرخون مثل خليفة بن خياط، والذهبي، وعلماء الدين مثل ابن تيمية، وإن كان اسم "بحر فارس" شائعًا كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس، حتى إن البعض قد يستعمل الاسمين معًا في نفس الصفحة، كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العبَّاسية "خليج العراق"؛ لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة.
يقول د. عماد الحفيظ: "إنَّ تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام، واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها".
• سماه العثمانيون "خليج البصرة" (بصرة كورتري).
• وأسماء الخليج المستعملة حاليًّا هي: الخليج العربي، الخليج الفارسي، خليج البصرة، الخليج الإسلامي، الخليج العربي الفارسي:
• الخليج العربي: تستعمله رسميًّا دول الجامعة العربية، كما تستعمله الأمم المتحدة في وثائقها العربية، والجمعيات الجغرافية العربية.
• الخليج الفارسي: تستعمله إيران في الصحف والوسائل الإعلاميَّة التابعة لها، ومنها كذلك تلك الناطقة بالعربية، وكذلك مطبوعات ووسائل إعلام بالعربية تصدر عن هيئات ودول غير عربية، وتستعمل في عدة لغات أخرى.
• خليج البصرة: وهي التسمية التي كانت شائعة في الوثائق العائدة إلى العهد العُثماني، وما تزال تستخدم على نطاق ضيق في بعض الدول العربية، خاصة العراق، التسمية الرسمية هي "الخليج العربي".
• الخليج الإسلامي: وقد طرحه بعض المفكرين على الخميني فرفضه، وممن دعا إليه: أسامة بن لادن.
• الخليج العربي الفارسي: استعملته "الجمعية الوطنية للجغرافيا" التي تصدر مجلة (ناشيونال جيوغرافيك)، وهي المرجع الرئيس للجغرافيا في الولايات المتحدة، فإنَّها تضعُ اسم الخليج العربي تحت اسم الخليج الفارسي، بين مزدوجين وبحروف أصغر.
مما سبق يتضح أن تسمية الخليج تحكمه عدة عوامل، منها:
• تقديس الأرض التي يوجد فيها: "بحر أرض الإله".
• البلاد التي يقع بداخلها: "بحر بلاد الكلدان".
• جهة موقعه من البلاد التي أطلقت عليه التسمية: "بحر الجنوب"، "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي"، "بحر فارس"؛ إذ لَمَّا أطلق هذه التسمية قائد أسطول الإسكندر الأكبر على "الخليج" عام 325 ق.م، كان قد سار حذاءَ الساحل الفارسي، ولم يدرك أنَّ هناك ساحلاً آخر، فجاءت تسميته وفقًا للجهة التي يعرفها دون الجهة الأخرى، "الخليج العربي"؛ "أطلقه بليني في القرن الأول الميلادي، بعد أنْ عرف السَّاحل الغربي.
• تصوُّر مَن أطلق التسمية على "الخليج": "بحر الشروق الكبير"، "نارمرتو"؛ أي: "البحر المر".
• السيطرة عليه: "خليج البصرة"، أو "خليج عمان"، أو "خليج البحرين"، أو "خليج القطيف"؛ لأنَّ هذه المدن كانت تتخذه منطلقًا للسفن، التي تَمْخَرُ عبابه، وتسيطر على مياهه.
مِن ثَمَّ، فالراجح تسمية الخليج "الخليج العربي"؛ لأن الساحل العربي يبلغ ضعف طول الساحل الفارسي؛ إذ الساحل الفارسي الثلث، والساحل العربي الثلثان، إضافة إلى أن الذين يقطنون ضفَّتَي الخليج عربٌ من لحمة شبه الجزيرة العربية، فضلاً عن أنه امتداد لبحر العرب... إلخ.
وإن أردنا الخروج من هذا الخلاف، فلنسمه "الخليج" فقط، أو "بحر الخليج"، أو "الخليج العربي الفارسي"، كما قال مَن أبدى رأيه في هذه القضية.
لكن تسميته بـ"الخليج الفارسي" تحمل في طياتها ظُلمًا.
ومَن أراد المزيد من التفصيلات، فعليه أن يرجع إلى ما أشرنا إليه من كتب وموسوعات ومواقع سبق ذكرها، إضافة إلى المواقع والمنتديات الآتية:
• موقع الوثيقة: alwathika_com.htm.
• عربي أهوازي الخليج العربي أصلاً وفصلاً.
• منتدى المرأة الإماراتية.
• إيلاف سياسة الخليج العربي.
• أمن الخليج العربي Gulf security.
• منتديات الجزيرة توك.
• إسلام أون لاين - الأخبار - الخليج عربي أم فارسي؟ نزاع يُلغي دورة إسلامية.
• الخليج العربي سابقًا والفيلندي مستقبلاً.
أمَّا عنِ الجانب الآخر من السؤال، فالخليج سمي خليجًا؛ لأنه تتوفَّر فيه صفات الخليج - على ما سيأتي بيانه بعد قليل - وقد يطلق عليه لفظ "بحر"؛ وهذا إمَّا لأنه لم يكن قد وضع تعريف للخليج يفرِّق بينه وبين البحر، ولعل هذا ما يفسر تسميةَ الخليج بالبحر في العصور القديمة؛ إذ كان يطلق عليه: "البحر الجنوبي، والبحر السفلي، وبحر الشروق الكبير، وبحر فارس"، وإمَّا لأنَّه في تصوُّرهم "بحر صغير"؛ كما جاء في "الصناعتين: الكتابة والشعر"، لأبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري: "خلجت: أيْ جذبت، والخليج: بحر صغير يجذب الماء من بحر كبير"، وإمَّا أنْ يكُونَ للخليج من الصِّفات ما تجعل بعضَ مُستعملي المُصطلح يطلق عليه "البحر"، كأن يكون عمقه واتساعه قاربَ عمق واتساع البحر، وكلٌّ صواب، والله أعلم.
وإليك ما جاء في كتب اللغة والمعاجم عن تعريف الخليج:
جاء في "الاختيارين" للأخفش: "كل شيء كان من شيء أكثر منه فهو خليج، ويقال: خلجه، إذا جذبه"، وفي "الاشتقاق": "الخليج: النهر الذي يختلج الماء من نهر أكبر منه"، وجاء فيه أيضًا: "وأصْلُ الخلْج من الانتزاع، خلجتَ الشَّيء من الشيء، إذا انتزعتَه منه، والخليج: نهر صغير يُختَلج من نهرٍ كبير أو من بحر"، وفي "الزاهر في معاني كلمات الناس": "قال أبو بكر: الخليج: ماء منقطع من ماء أعظمَ منه، وأصله من الخلج، وهو القطع والجذب"، وفي "الصناعتين: الكتابة و الشعر": "خلجت: أي جذبت، والخليج: بحر صغير يجذب الماء من بحر كبير"، وفي "العامي الفصيح" من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "خَلَِجَ: يعرفون من هذه المادة كلمة الخليج بمعنى امتداد الماء في اليابس"، وفي "تاج العروس": "في التهذيب "الخَلِيجُ": نَهرٌ في شِقٍّ مِن النَّهْر الأَعظمِ، وجَنَاحَا النَّهْرِ: خَلِيجاه، وأَنشد:
إِلَى فَتىً فَاضَ أَكُفَّ الفِتْيَانْ فَيْضَ الخَلِيجِ مَدَّةُ خَلِيجَانْ
وفي الحديث: ((إِنَّ فُلانًا ساقَ خَلِيجًا))، الخَلِيج: نَهرٌ يُقْتَطع من النَّهْرِ الأَعظمِ إِلى مَوضعٍ يُنْتَفع به فيه، الخَلِيجُ: شَرْمٌ مِنَ البَحْرِ، وقال ابنُ سِيدَه: هو ما انْقَطَعَ مِن مُعْظَم المَاءِ؛ لأَنه يُجْبَذُ منه وقد اخْتُلِجَ، وقيل: الخَلِيجُ: شُعبةٌ تنْشَعِبُ مِن الوادي تُعَبِّر بَعْضَ مائِه إِلى مكانٍ آخَرَ، والجمع خُلْجٌ وخُلْجَانٌ".
وفي غير ما سبق من كتب اللغة والمعاجم تدور معاني الخليج في فلك المعاني السابقة، وهذه المعاني تتوفَّر فيما يُعرف بالخليج اليومَ، مع اختلافٍ في بعض الألفاظ؛ إلاَّ أن مفهوم التعريف واحد، ويُستدلُّ على هذا بما ذكره بعض الباحثين في تعريف "الخليج العربي" بأنَّه: حوض بحري مغلق يشكل امتدادًا للمحيط الهندي عبر بحر العرب، تحدُّه إيران شرقًا، والعراق والكويت شمالاً، وشبه الجزيرة العربية غربًا، ويتَّصل ببحر العرب "خليج عُمان"، بواسطة مضيق هرمز، طول الخليج حوالي 570 ميلاً "917 كم"، وعرضه يختلف بين الشمال الغربي 125 ميلاً – أي: 201 كم - والجنوب الشرقي حوالي 275 ميلاً – أي: 443 كم - تبلغ مساحته نحو 230 ألف كم2، متوسط عمقه 35 مترًا، ويصل في أقصاه إلى 100 متر قرب هرمز؛ حيثُ يبلغ عرض المضيق نحو 60 كم، وطوله 154 كم، وأعمق أقسامه يَقَعُ ناحية السَّواحل الإيرانيَّة؛ حيث إن البواخر التي تزيد حمولتها على خمسة آلاف طن لا تستطيع الاقتراب من السَّواحل العربية أكثر من 8 كيلو مترات.
وجاء في "منتديات البحارة": "الخليج: هو عبارة عن مساحة من البحر تتغلغل في إقليم الدولة؛ نتيجة لتعرجات أو انبعاجات الساحل، وينتج عن عُمق هذا التغلغل، واتساع مساحته - وجودُ مساحة مائية تكون محاطة بالأرض، ولا يعتبر هذا التعرج خليجًا، إلاَّ إذا كانت مساحته تساوي أو تزيد عن نصف دائرة، يكون قطرها الخط الموصل بين فتحتي التعرج، وهذا ما نصَّت عليه المادة 7 من اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي، والمنطقة المتاخمة لسنة 1958م: إن الخليج فجوة ظاهرة للغاية يكون دُخولها في اليابسة مساويًا لعرض مدخلها، بحيث تكون مياهها بالشاطئ، وتؤلف أكثر من مجرد تعرجات ساحلية.
أمَّا المادة العاشرة من اتفاقية الأمم المتحدة للقانون 1982م، فقد نصَّت على: أنَّ الانبعاج لا يعتبر خليجًا إلاَّ إذا كانت مساحته تعادل أو تفوق نصف دائرة، قطرها خط يرسم عَبْرَ مدخل الانبعاج، وكلمة الانبعاج تعني هنا اللسان البحري الذي يتغلغل في اليابسة".
أسأل الله أن يُرِيَنا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، وأن يُرِيَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأسأله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا الاعتصام بحبله، وأن يُؤلِّف بين قلوبنا؛ إنَّه عزيز حكيم.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
اسم الكاتب: أ. مبروك يونس عبدالرؤوف
مصدر المقال: موقع الألوكة